الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
كُلُّ شَيْءٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ فَالنُّقْطَةُ مِنْهُ فَمَا فَوْقَهَا إلَى أَكْثَرِ الْمَقَادِيرِ: خَمْرٌ حَرَامٌ: مِلْكُهُ، وَبَيْعُهُ، وَشُرْبُهُ، وَاسْتِعْمَالُهُ عَلَى أَحَدٍ وَعَصِيرُ الْعِنَبِ، وَنَبِيذُ التِّينِ، وَشَرَابُ الْقَمْحِ، وَالسَّيْكَرَانِ، وَعَصِيرُ كُلِّ مَا سِوَاهَا وَنَقِيعُهُ، وَشَرَابُهُ طُبِخَ كُلُّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُطْبَخْ ذَهَبَ أَكْثَرُهُ أَوْ أَقَلُّهُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، وَلاَ فَرْقَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ وَفِي هَذَا اخْتِلاَفٌ قَدِيمٌ وَحَدِيثٌ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا: فَرُوِّينَا عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهَا قَالَتْ: شَرَابُ الْبُسْرِ وَحْدَهُ خَمْرٌ مُحَرَّمَةٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الرُّطَبُ، وَالْبُسْرُ إذَا خُلِطَا، فَشَرَابُهُمَا خَمْرٌ مُحَرَّمَةٌ، وَكَذَلِكَ التَّمْرُ وَالْبُسْرُ إذَا خُلِطَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ، وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ إذَا أَسْكَرَ، وَلَمْ يُطْبَخَا: هِيَ الْخَمْرُ الْمُحَرَّمَةُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَكُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ حَلاَلٌ مَا لَمْ يُسْكَرْ مِنْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ خَمْرَ إِلاَّ عَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ مَا لَمْ يُطْبَخْ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَهُوَ حَرَامٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، فَإِذَا طُبِخَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ خَمْرًا بَلْ هُوَ حَلاَلٌ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ. وَأَمَّا كُلُّ شَرَابٍ مَا عَدَا عَصِيرَ الْعِنَبِ الْمَذْكُورَ فَهُوَ حَلاَلٌ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ كَنَقِيعِ الزَّبِيبِ وَغَيْرِهِ طُبِخَ كُلُّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُطْبَخْ إِلاَّ أَنَّ السُّكْرَ مِنْهُ حَرَامٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كُلُّ مَا عُصِرَ مِنْ الْعِنَبِ، وَنَبِيذِ الزَّبِيبِ، وَنَبِيذِ التَّمْرِ، وَالرُّطَبِ، وَالْبُسْرِ، وَالزَّهْوِ، فَلَمْ يُطْبَخْ، فَكُلُّ خَمْرٍ مُحَرَّمَةٌ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، فَإِنْ طُبِخَ عَصِيرُ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَطُبِخَ سَائِرُ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ حَلاَلٌ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ، إِلاَّ أَنَّ السُّكْرَ مِنْهُ حَرَامٌ. وَكُلُّ نَبِيذٍ وَعَصِيرٍ مَا سِوَى مَا ذَكَرْنَا فَحَلاَلٌ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ طُبِخَ أَوْ لَمْ يُطْبَخْ وَالسُّكْرُ أَيْضًا مِنْهُ لَيْسَ حَرَامًا. فأما مَنْ رَأَى شَرَابَ الْبُسْرِ وَحْدَهُ خَمْرًا: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ أَنَا حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْبُسْرُ وَحْدَهُ حَرَامٌ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: وَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَوَارِيرِيُّ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَبِيذُ الْبُسْرِ بَحْتًا لاَ يَحِلُّ وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْلِدُ فِيهِ كَمَا يَجْلِدُ فِي الْخَمْرِ وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلاً، بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبْطَالُهُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُ فَرْدًا، تَمْرًا فَرْدًا، أَوْ بُسْرًا فَرْدًا، أَوْ زَبِيبًا فَرْدًا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الْبُسْرُ، وَالرُّطَبُ: خَمْرٌ يَعْنِي إذَا جُمِعَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، كِلَيْهِمَا عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْبُسْرُ، وَالتَّمْرُ: خَمْرٌ وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ صِحَّةُ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَلْطِ الْبُسْرِ مَعَ التَّمْرِ، أَوْ مَعَ الرُّطَبِ. قال أبو محمد: وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ، لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ غَيْرِ هَذِهِ الأَنْوَاعِ، فَلاَ مَعْنَى لِتَخْصِيصِ هَذِهِ خَاصَّةً بِالتَّحْرِيمِ دُونَ سَائِرِ مَا نَهَى عليه السلام عَنْهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ خَلِيطِ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْبُسْرِ، وَالرُّطَبِ. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْبَذَ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا، وَأَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا. وَنَهَى أَيْضًا عليه السلام عَنْ أَنْ يُجْمَعَ غَيْرُ هَذِهِ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُحَرَّمٍ خَمْرًا، الدَّمُ حَرَامٌ، وَلَيْسَ خَمْرًا، وَلَبَنُ الْخِنْزِيرِ حَرَامٌ وَلَيْسَ خَمْرًا، وَالْبَوْلُ حَرَامٌ وَلَيْسَ خَمْرًا، فَهَذَانِ اللَّذَانِ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جَمْعِهِمَا حَرَامٌ وَلَيْسَتْ خَمْرًا إِلاَّ أَنْ تُسْكِرَ، وَلاَ مَعْنَى لِتَسْمِيَتِهِمَا إذَا جُمِعَا خَمْرًا. فإن قيل: فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ هُوَ الْخَمْرُ فَمَا قَوْلُكُمْ فِيهِ قلنا: قَدْ صَحَّ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ إبَاحَةُ التَّمْرِ وَإِبَاحَةُ الزَّبِيبِ، وَإِبَاحَةُ نَبِيذِهِمَا غَيْرَ مَخْلُوطَيْنِ، كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْسَخْ قَطُّ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَإِنَّمَا يَكُونُ خَمْرًا إذَا جَاءَ نَصٌّ مُبَيِّنٌ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ إذَا أَسْكَرَ نَبِيذُهُمَا كَمَا بَيَّنَ عليه السلام فِي خَبَرٍ نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: مِنْ تَخْصِيصِ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَبِيذِ الزَّبِيبِ بِالتَّحْرِيمِ مَا لَمْ يُطْبَخَا دُونَ سَائِرِ الأَنْبِذَةِ وَالْعَصِيرِ فَقَوْلٌ صَحَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الأَشْهَرُ عَنْهُ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَعْتَمِدُ مُقَلِّدُوهُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَشْتَغِلُونَ بِنَصْرِهِ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ أَيْضًا حُجَّةً أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَلاَ دَلِيلِ إجْمَاعٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ رَأْيٍ، وَلاَ قِيَاسٍ فَسَقَطَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: مِنْ تَخْصِيصِ عَصِيرِ الْعِنَبِ بِالتَّحْرِيمِ مَا لَمْ يُطْبَخْ، فَهُوَ قَوْلٌ اخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ بِأَخْبَارٍ أُضِيفَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَارٍ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَدَعْوَى إجْمَاعٍ فأما الأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلُّهَا لاَ خَيْرَ فِيهَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ شَيْءٌ مِنْهَا مُوَافِقًا لِهَذَا الْقَوْلِ ; فَلاَحَ أَنَّ إيرَادَهُمْ لَهَا تَمْوِيهٌ مَحْضٌ وَكَذَلِكَ الآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، إِلاَّ أَنَّ مِنْهَا مَا لاَ يَصِحُّ، وَلاَ يُوَافِقُ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ فَإِيرَادُهُمْ لَهَا تَمْوِيهٌ. وَمِنْهَا شَيْءٌ يَصِحُّ وَيَظُنُّ مَنْ لاَ يُنْعِمُ النَّظَرَ أَنَّهُ يُوَافِقُ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ عَلَى مَا نُورِدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ صَاحِبٍ قَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ. وَأَمَّا دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا عَدَاهُ فَلاَ يَحْرُمُ شَيْءٌ بِاخْتِلاَفٍ. قال أبو محمد: وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لأََنَّهُ يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ جُمْهُورَ أَقْوَالِهِمْ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لاَ يُوجِبُوا زَكَاةً إِلاَّ حَيْثُ أَوْجَبَهَا إجْمَاعٌ، وَلاَ فَرِيضَةَ حَجٍّ أَوْ صَلاَةٍ إِلاَّ حَيْثُ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِهَا، وَأَنْ لاَ يُثْبِتُوا الرِّبَا إِلاَّ حَيْثُ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ رِبًا وَمَنْ الْتَزَمَ هَذَا الْمَذْهَبَ خَرَجَ عَنْ دِينِ الإِسْلاَمِ بِلاَ شَكٍّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَذْهَبٌ مُفْتَرًى لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَطُّ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام ; وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ الْقُرْآنِ، وَسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُولِي الأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْإِجْمَاعِ، وَلَمْ يَأْمُرْ تَعَالَى قَطُّ بِأَنْ لاَ يُتَّبَعَ إِلاَّ الْإِجْمَاعُ، وَلاَ قَالَ تَعَالَى قَطُّ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام: لاَ تَأْخُذُوا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ إِلاَّ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَمَنْ ادَّعَى هَذَا فَقَدْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَتَى بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ وَبِالضَّلاَلِ الْمُبِينِ. إنَّمَا قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا نَحْنُ فَنَتَّبِعُ الْإِجْمَاعَ فِيمَا صَحَّ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، وَلاَ نُخَالِفُهُ أَصْلاً، وَنَرُدُّ مَا تُنُوزِعَ فِيهِ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، فَنَأْخُذُ مَا فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى الأَخْذِ بِهِ وَبِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ أَهْلُ الإِسْلاَمِ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ قَطُّ: لاَ أَلْتَزِمُ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ إِلاَّ مَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ ; فَقَدْ صَارُوا بِهَذَا الأَصْلِ مُخَالِفِينَ لِلْإِجْمَاعِ بِلاَ شَكٍّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَذْهَبٌ يَقْتَضِي أَنْ لاَ يُلْتَفَتَ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ إذَا وُجِدَ الأَخْتِلاَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِمَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ دِينِ الإِسْلاَمِ فِي شَيْءٍ مَعَ أَنَّهُ فِي أَكْثَرِ الأَمْرِ كَذِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ وَقَوْلٌ بِلاَ عِلْمٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ لاَ يَلْتَزِمُونَ هَذَا الأَصْلَ الْفَاسِدَ إِلاَّ فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ جِدًّا وَهُوَ مُبْطِلٌ لِسَائِرِ مَذَاهِبِهِمْ كُلِّهَا فَعَادَ عَلَيْهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الأَخْبَارُ: فَمِنْهَا خَبَرٌ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا الْقَلِيلُ مِنْهَا وَالْكَثِيرُ وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ: وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ وَشُعْبَةَ بِلاَ خِلاَفٍ أَضْبَطُ وَأَحْفَظُ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ. وَقَدْ رَوَى فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مَا رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ مَا يَمْنَعُ مِنْ تَحْرِيمِ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَتِهِ إذَا جَاءَ بِتَحْرِيمِهِ نَصٌّ صَحِيحٌ. وَقَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَحْرِيمُ الْمُسْكِرِ جُمْلَةً وَصَحَّ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا تَحْرِيمُ نَبِيذِ الْبُسْرِ بَحْتًا فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَمِنْهَا: خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ فَانْتَبِذُوا فِيهَا يَعْنِي فِي الظُّرُوفِ فَإِنَّ الظُّرُوفَ لاَ تَحِلُّ شَيْئًا، وَلاَ تُحَرِّمُ، وَلاَ تَسْكَرُوا، وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قَوْلُكَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ قَالَ: اشْرَبْ، فَإِذَا خِفْتَ فَدَعْ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْرَبَا، وَلاَ تَسْكَرَا وَكِلاَهُمَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُشْمَعِلِّ بْنِ مِلْحَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ خَزَّازٌ بَصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا بَكْرٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لاَ تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ السُّكْرِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ فَإِذَا خِفْتَ فَدَعْ أَيْ إذَا خِفْت أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي مُوسَى: فَلاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرِيكٍ مُدَلِّسٌ وَضَعِيفٌ فَسَقَطَ. وَقَدْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ بِخِلاَفِ هَذَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ دِينَارٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، كُلِّهِمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، كُلُّ مَا أَسْكَرَ عَنْ الصَّلاَةِ فَهُوَ حَرَامٌ، أَنْهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ أَسْكَرَ عَنْ الصَّلاَةِ فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الثَّابِتُ لاَ رِوَايَةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَمُدَلِّسٍ، وَكَذَّابٍ، وَمَجْهُولٍ. وَخَبَرٌ رُوِّينَاهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ، وَلاَ تَسْكَرُوا وَهَذَا لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ وَسِمَاكٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لأََنَّهُ إنَّمَا فِيهِ النَّهْيُ عَنْ السُّكْرِ وَلَيْسَ فِيهِ مَانِعٌ مِنْ تَحْرِيمِ مَا يَصِحُّ تَحْرِيمُهُ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ كُلِّ مَا أَسْكَرَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَصَحِّ طَرِيقٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ، وَسَعِيدِ بْنِ عُمَارَةَ، قَالَ سَوَّارٌ: عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَالَ سَعِيدٌ: عَنْ الْحَارِثِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ أَنَسٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو سَعِيدٍ وَأَنَسٌ قَالاَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ وَسَوَّارٌ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، وَعَطِيَّةُ هَالِكٌ، وَالْحَارِثُ، وَسَعِيدٌ مَجْهُولاَنِ لاَ يُدْرَى مَنْ هُمَا ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لأََنَّ رِوَايَةَ شُعْبَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّتِي ذَكَرْنَا آنِفًا زَائِدَةٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لاَ يَجُوزُ رَدُّهَا. وَخَبَرٌ: رُوِيَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِعَبْدِ الْقَيْسِ اشْرَبُوا مَا طَابَ لَكُمْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُلاَزِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَجِيبَةَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَمّه قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَجِيبَةَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لأََنَّ مَا طَابَ لَنَا هُوَ مَا أُحِلَّ لَنَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عليه السلام قَدْ سَاوَى بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ وَالْخَمْرُ وَسَائِرُ الأَشْرِبَةِ سَوَاءٌ فِي النَّهْيِ عَنْهَا وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. وَأَيْضًا: فَلَيْسَ التَّفْرِيقُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فِي الذِّكْرِ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُمَا شَيْئَانِ مُتَغَايِرَانِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ، وَفِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: إذَا اشْتَدَّ عَلَيْكُمْ فَاكْسِرُوهُ بِالْمَاءِ وَمِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَسْعُودٍ وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لأََنَّ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ هُوَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَافِعٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ أَخِي الْقَعَْقَاعِ كِلاَهُمَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مُسْنَدًا، وَكِلاَهُمَا مَجْهُولٌ وَضَعِيفٌ سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ كَانَا إنْسَانًا وَاحِدًا، ثُمَّ هُوَ عَنْهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدِ الْقُرَشِيِّ، وَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَقُرَّةَ الْعِجْلِيّ، وَالْعَوَّامِ ; وَكُلُّهُمْ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيَزِيدَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ فِي الرِّوَايَاتِ السُّودِ خَبَرًا مَوْضُوعًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ يَتَّهِمُ غَيْرَهُ وَقَدْ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ، وَأَحْمَدُ، وَيَحْيَى. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي مَسْعُودٍ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبَانَ وَكِلاَهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ أَعْظَمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لأََنَّ فِيهَا كُلِّهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَزَجَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ شَرِبَهُ وَهَذَا لاَ يَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ ذَلِكَ النَّبِيذُ مُسْكِرًا فَهِيَ كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا. وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا كَمَا يَقُولُونَ، فَإِنْ كَانَ مُسْكِرًا فَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى الْمُسْكِرِ عِنْدَهُمْ لاَ يُخْرِجُهُ عِنْدَهُمْ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى التَّحْلِيلِ، وَلاَ يَنْقُلُهُ عَنْ حَالِهِ أَصْلاً إنْ كَانَ قَبْلَ صَبِّ الْمَاءِ حَرَامًا فَهُوَ عِنْدَهُمْ بَعْدَ صَبِّهِ حَرَامٌ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ صَبِّهِ حَلاَلاً فَهُوَ بَعْدَ صَبِّهِ حَلاَلٌ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ صَبِّهِ مَكْرُوهًا فَهُوَ بَعْدَ صَبِّهِ مَكْرُوهٌ، فَقَدْ خَالَفُوهُ كُلَّهَا وَجَعَلُوا فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي حَقَّقُوهُ عَلَيْهِ بَاطِلاً عِنْدَهُمْ وَلَغْوًا لاَ مَعْنَى لَهُ، وَهَذَا كَمَا تَرَى. وَإِنْ كَانَ صَبُّ الْمَاءِ نَقَلَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا إلَى أَنْ لاَ يَكُونَ مُسْكِرًا فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهِ حِينَئِذٍ أَصْلاً، لأََنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا فَلاَ نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّهُ حَلاَلٌ فَعَادَ عَلَيْهِمْ جُمْلَةً. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْرَبُوا مَا طَابَ لَكُمْ فَإِذَا خَبُثَ فَذَرُوهُ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَكِلاَهُمَا سَاقِطٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً قَاطِعَةً عَلَيْهِمْ ; لأََنَّ مَعْنَى " إذَا خَبُثَ " إذَا أَسْكَرَ، لاَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ هَذَا أَصْلاً، وَإِلَّا فَلْيُعَرِّفُونَا مَا مَعْنَى إذَا خَبُثَ فَذَرُوهُ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أُتِيَ بِمَكَّةَ بِنَبِيذٍ فَذَاقَهُ فَقَطَّبَ وَرَدَّهُ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا شَرَابُ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ: فَرَدَّهُ فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى رَغَا، قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ. وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ الْكُوفِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقٍ مُطَّرَحٌ ثُمَّ عَنْ الْحَارِثِ وَهُوَ كَذَّابٌ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ وَاقِدٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ قَطَنٍ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لأََنَّ الْكَلاَمَ فِيهِ كَالْكَلاَمِ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَذِنَ فِي النَّبِيذِ بَعْدَمَا نَهَى عَنْهُ، وَلاَ حُجَّةَ فِيهِ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُنْذِرِ أَبِي حَسَّانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ أَذِنَ فِي النَّبِيذِ فِي الظُّرُوفِ بَعْدَمَا نَهَى عَنْهُ، وَهَذَا حَقٌّ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الْخَمْرِ، ثُمَّ أَذِنَ فِيهَا وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَخَبَرٌ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنَّ هَذَا الشَّرَابَ إذَا أَكْثَرْنَا مِنْهُ سَكِرْنَا قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ إذَا شَرِبَ تِسْعَةً فَلَمْ يَسْكَرْ لاَ بَأْسَ وَإِذَا شَرِبَ الْعَاشِرَ فَسَكِرَ فَذَلِكَ حَرَامٌ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لأََنَّهُ فَضِيحَةُ الدَّهْرِ مَوْضُوعٌ بِلاَ شَكٍّ: رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: ضَعِيفٌ عَنْ الْكَلْبِيِّ: كَذَّابٌ مَشْهُورٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ: هَالِكٌ. وَخَبَرٌ: فِيهِ النَّهْيُ عَنْ النَّبِيذِ فِي الْجِرَارِ الْمُلَوَّنَةِ وَالأَمْرُ بِأَنْ يُنْبَذَ فِي السِّقَاءِ فَإِذَا خَشِيَ فَلْيَسُجَّهُ بِالْمَاءِ فَهَذَا مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ وَهُوَ الرَّقَاشِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لأََنَّ فِيهِ إذَا خَشِيَ فَلْيَسُجَّهُ بِالْمَاءِ، وَمَعْنَاهُ إذَا خَشِيَ أَنْ يَسْكَرَ بِإِجْمَاعِهِمْ مَعَنَا لاَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ هَذَا أَصْلاً، فَإِذَا سُجَّ بِالْمَاءِ بَطَلَ إسْكَارُهُ وَهَذَا لاَ نُخَالِفُهُمْ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ بَعْدَ إسْكَارِهِ يُسَجُّ إنَّمَا فِيهِ " إذَا خَشِيَ " وَهَذَا بِلاَ شَكٍّ قَبْلَ أَنْ يَسْكَرَ. وَخَبَرٌ مُرْسَلٌ: مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْخَمْرُ مِنْ الْعِنَبِ، وَالسُّكْرُ مِنْ التَّمْرِ، وَالْمِزْرُ مِنْ الْحِنْطَةِ، وَالْبِتْعُ مِنْ الْعَسَلِ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَالْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ، وَالْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ، وَهَذَا لاَ شَيْءَ، لأََنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لأََنَّ فِيهِ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَهُوَ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْخَمْرَ مِنْ الْعِنَبِ مَانِعٌ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ أَيْضًا إذَا صَحَّ بِذَلِكَ نَصٌّ. وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ عليه السلام كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ حَبْتَرٍ النَّهْشَلِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ، وَأَمَرَ بِأَنْ يُنْبَذَ فِي الأَسْقِيَةِ، قَالُوا: فَإِنْ اشْتَدَّ فِي الأَسْقِيَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَصُبُّوا عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَقَالَ لَهُمْ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ: أَهْرِيقُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ، وَالْمَيْسِرَ، وَالْكُوبَةَ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، فَهَذَا مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ حَبْتَرٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ، لأََنَّهُ مُخَالِفٌ كُلُّهُ لِقَوْلِهِمْ، مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا فِي الأَمْرِ بِهَرْقِهِ، وَقَوْلُهُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ كِفَايَةٌ لِمَنْ كَانَ لَهُ مُسْكَةُ عَقْلٍ فَاعْجَبُوا لِقَوْمٍ يَحْتَجُّونَ بِمَا هُوَ نَصٌّ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْحَيَاءَ هَهُنَا لَعَدَمٌ وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْقُمُوصِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ نَحْسِبُ أَنَّ اسْمَهُ قَيْسُ بْنُ النُّعْمَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اشْرَبُوا فِي الْجِلْدِ الْمُوكَى عَلَيْهِ فَإِنْ اشْتَدَّ فَاكْسِرُوهُ بِالْمَاءِ فَإِنْ أَعْيَاكُمْ فَأَهْرِيقُوهُ أَبُو الْقُمُوصِ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً قَاطِعَةً مُوَافِقَةً لِقَوْلِنَا مُفْسِدَةً لِقَوْلِهِمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الأَمْرِ بِهَرْقِهِ إنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى إبْطَالِ شِدَّتِهِ بِالْمَاءِ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنِي الْجُرَيْرِيُّ سَعِيدُ بْنُ إيَاسٍ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: انْتَهَى أَمْرُ الأَشْرِبَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اشْرَبُوا مَا لاَ يُسَفِّهُ أَحْلاَمَكُمْ، وَلاَ يُذْهِبُ أَمْوَالَكُمْ وَهَذَا مُرْسَلٌ ثُمَّ لَوْ انْسَنَدَ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا، لأََنَّهُ نَهَى عَنْ النَّوْعِ الَّذِي مِنْ طَبْعِهِ أَنْ يُسَفِّهَ الْحُلُمَ، وَيُذْهِبَ الْمَالَ، لاَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ أَصْلاً ; إذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ يَنْفَرِدُ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِهِ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْكِرِ قَالَ: الشَّرْبَةُ الآخِرَةُ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُصَلِّي مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَكْرَهُ مُزَاحَمَةَ الْبَقَّالِينَ، لاَ يَنْبُلُ الْإِنْسَانُ حَتَّى يَدَعَ الصَّلاَةَ فِي الْجَمَاعَةِ وَأَنَّهُ أَنْكَرَ السَّلاَمَ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَقَالَ: عَلِيٌّ مِثْلُ هَؤُلاَءِ لاَ يَسْلَمُ: وَهَذِهِ جُرُحٌ ظَاهِرَةٌ ; ثُمَّ الأَظْهَرُ فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ " الشَّرْبَةُ الآخِرَةُ " مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ تَأْوِيلٌ مِنْهُ وَهُوَ أَيْضًا فَاسِدٌ مِنْ التَّأْوِيلِ لِمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَخَبَرٌ مُرْسَلٌ: مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام شَرِبَ مِنْ نَبِيذِ سِقَايَةِ زَمْزَمَ فَشَدَّ وَجْهَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، ثُمَّ شَرِبَ مِنْهُ وَهَذَا لاَ شَيْءَ ; لأََنَّهُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ فَهُوَ مَقْطُوعٌ وَمُرْسَلٌ مَعًا ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ صَبَّ الْمَاءِ لاَ يَنْقُلُهُ عِنْدَهُمْ مِنْ تَحْلِيلٍ إلَى تَحْرِيمٍ، وَلاَ مِنْ تَحْرِيمٍ إلَى تَحْلِيلٍ، وَلاَ لَهُ عِنْدَهُمْ فِيهِ مَعْنًى، فَإِنْ نَقَلَهُ إلَى أَنْ لاَ يُسْكِرَ فَهُوَ قَوْلُنَا فِي أَنَّهُ حَلاَلٌ إذَا لَمْ يُسْكِرْ. هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ بِأَجْمَعِهِ وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَنَّ أَكْثَرَ مَا أَوْرَدُوا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَنَا. وَذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم آثَارًا: مِنْهَا: عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قِرْصَافَةَ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: اشْرَبُوا، وَلاَ تَسْكَرُوا وَسِمَاكٌ ضَعِيفٌ، وَقِرْصَافَةُ مَجْهُولَةٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إبَاحَةُ مَا أَسْكَرَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قِرْصَافَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهَا: اشْرَبِي، وَلاَ تَشْرَبِي مُسْكِرًا فَسِمَاكٌ عَنْ قِرْصَافَةَ مَرَّةً قَالَ: لَنَا عَلَيْهِمْ، وَمَرَّةً لاَ لَنَا، وَلاَ لَهُمْ وَمِنْ طَرِيقِ سُمَيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: إنْ خَشِيت مِنْ نَبِيذِك فَاكْسِرْهُ بِالْمَاءِ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا لأََنَّهُ إذَا خَشِيَ إسْكَارَهُ كَسَرَهُ بِالْمَاءِ، وَالثَّابِتُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَحْرِيمُ كُلِّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ ذِي حَدَّانَ أَوْ ابْنِ ذِي لَعْوَةَ: أَنَّ رَجُلاً شَرِبَ مِنْ سَطِيحَةٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَكِرَ، فَأُتِيَ بِهِ عُمَرَ، فَقَالَ: إنَّمَا شَرِبْت مِنْ سَطِيحَتِك فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّمَا أَضْرِبُك عَلَى السُّكْرِ، ابْنُ ذِي حَدَّانَ أَوْ ابْنُ ذِي لَعْوَةَ مَجْهُولاَنِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّا نَشْرَبُ مِنْ هَذَا النَّبِيذِ شَرَابًا يَقْطَعُ لُحُومَ الْإِبِلِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: وَشَرِبْت مِنْ شَرَابِهِ فَكَانَ كَأَشَدِّ النَّبِيذِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ " إنَّا لَنَشْرَبُ هَذَا الشَّرَابَ الشَّدِيدَ لِنَقْطَعَ بِهِ لُحُومَ الْإِبِلِ فِي بُطُونِنَا أَنْ تُؤْذِيَنَا فَمَنْ رَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ شَيْءٌ فَلْيَمْزُجْهُ بِالْمَاءِ " وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّ النَّبِيذَ الْحُلْوَ اللَّفِيفَ الشَّدِيدَ لِلَفْتِهِ الَّذِي لاَ يُسْكِرُ يَقْطَعُ لُحُومَ الْإِبِلِ فِي الْجَوْفِ، لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّ عُمَرَ شَرِبَ مِنْ ذَلِكَ الشَّرَابِ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، فَإِذْ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ أَصْلاً وَمِنْهَا: خَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِشَرَابٍ مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ فَقَطَّبَ وَقَالَ: إنَّ نَبِيذَ الطَّائِفِ لَهُ عُرَامٌ ثُمَّ ذَكَرَ شِدَّةً لاَ أَحْفَظُهَا ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ فِيهِ ثُمَّ شَرِبَ وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ ذَلِكَ النَّبِيذَ كَانَ مُسْكِرًا، وَلاَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ اشْتَدَّ وَإِنَّمَا فِيهِ إخْبَارُ عُمَرَ بِأَنَّ نَبِيذَ الطَّائِفِ لَهُ عُرَامٌ وَشِدَّةٌ وَأَنَّهُ كَسَرَ هَذَا بِالْمَاءِ ثُمَّ شَرِبَهُ، فَالأَظْهَرُ فِيهِ أَنَّ عُمَرَ خَشِيَ أَنْ يَعْرُمَ وَيَشْتَدَّ فَتَعَجَّلَ كَسْرَهُ بِالْمَاءِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا لاَ لِقَوْلِهِمْ أَصْلاً. وَلاَ يَصِحُّ لَهُمْ مِمَّا ذَكَرْنَا إِلاَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ فَقَطْ. وَخَبَرٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ قَالَ: قَدِمْت عَلَى عُمَرَ فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ قَدْ كَادَ يَصِيرُ خَلًّا، فَقَالَ لِي: اشْرَبْ قَالَ: فَمَا كِدْت أَنْ أَسِيغَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ لِي: إنَّا نَشْرَبُ هَذَا النَّبِيذَ الشَّدِيدَ لِيَقْطَعَ لُحُومَ الْإِبِلِ فِي بُطُونِنَا أَنْ تُؤْذِيَنَا قال أبو محمد: مَا بَلَغَ مُقَارَبَةَ الْخَلِّ فَلَيْسَ مُسْكِرًا. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: إنَّ ثَقِيفًا تَلَقَّتْ عُمَرَ بِشَرَابٍ فَلَمَّا قَرَّبَهُ إلَى فِيهِ كَرِهَهُ، ثُمَّ كَسَرَهُ بِالْمَاءِ، وَقَالَ: هَكَذَا فَافْعَلُوا وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ أَنَّ رَجُلاً عَبَّ فِي نَبِيذٍ لِعُمَرَ فَسَكِرَ فَلَمَّا أَفَاقَ حَدَّهُ، ثُمَّ أَوْجَعَ النَّبِيذَ بِالْمَاءِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ الأَسْوَدِ قَالَ: أَخَذْنَا زَبِيبًا فَأَكْثَرْنَا مِنْهُ فِي أَدَاوَانَا وَأَقْلَلْنَا الْمَاءَ فَلَمْ نَلْقَ عُمَرَ حَتَّى عَدَا طَوْرَهُ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ عَدَا طَوْرَهُ وَأَرَيْنَاهُ إيَّاهُ فَذَاقَهُ فَوَجَدَهُ شَدِيدًا فَكَسَرَهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ شَرِبَ وَهْبُ بْنُ الأَسْوَدِ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِسَطِيحَةٍ فِيهَا نَبِيذٌ قَدْ اشْتَدَّ بَعْضَ الشِّدَّةِ فَذَاقَهُ، ثُمَّ قَالَ: بَخٍ بَخٍ اكْسِرْهُ بِالْمَاءِ وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمُعَدِّلِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: إنَّ عُمَرَ يُنْبَذُ لَهُ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ قَائِمَةً فَجَاءَ فَذَاقَهُ فَقَالَ: إنَّكُمْ أَقْلَلْتُمْ عَكَرَهُ أَبُو الْمُعَدِّلِ مَجْهُولٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُبَيْدَة بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي مِسْكِينٍ عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَسْقَى أَهْلَ الطَّائِفِ مِنْ نَبِيذِهِمْ فَسَقَوْهُ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ ثَقِيفٍ إنَّكُمْ تَشْرَبُونَ مِنْ هَذَا الشَّرَابِ الشَّدِيدِ فَأَيُّكُمْ رَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ شَيْءٌ فَلْيَكْسِرْهُ بِالْمَاءِ وَهَذَا لَوْ صَحَّ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَنَا لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا، بَلْ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الشَّرَابِ الشَّدِيدِ الْمُرِيبِ، وَالأَمْرُ بِأَنْ يُغَيَّرَ بِالْمَاءِ عَنْ حَالِهِ تِلْكَ حَتَّى يُفَارِقَ الشِّدَّةَ وَالْإِرَابَةَ لَيْسَ لَهُمْ عَنْ عُمَرَ إِلاَّ هَذَا وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ كَسْرَ النَّبِيذِ بِالْمَاءِ لاَ يَنْقُلُهُ عِنْدَهُمْ مِنْ تَحْرِيمٍ إلَى تَحْلِيلٍ، وَأَنَّهُ عِنْدَهُمْ قَبْلَ كَسْرِهِ بِالْمَاءِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ وَأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ يُخْرِجُهُ عَنْ الْإِسْكَارِ فَهُوَ حِينَئِذٍ عِنْدَنَا حَلاَلٌ، فَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ مَا فِيهَا مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ تَحْرِيمُ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلاً شَرِبَ مِنْ إدَاوَاتِهِ فَسَكِرَ فَجَلَدَهُ عَلِيٌّ الْحَدَّ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ عَنْ شَرِيكٍ وَهُوَ مُدَلِّسٌ ضَعِيفٌ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ وَالشَّعْبِيِّ لَمْ يَسْمَعْ عَلِيًّا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ عَلِيًّا شَرِبَ مِنْ تِلْكَ الْإِدَاوَةِ بَعْدَ مَا أَسْكَرَ مَا فِيهَا فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلاً سَكِرَ مِنْ طِلاَءٍ فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ الْحَدَّ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنَّمَا شَرِبْت مَا أَحْلَلْتُمْ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنَّمَا ضَرَبْتُك لأََنَّك سَكِرْت وَهَذَا مُنْقَطِعٌ وَمُجَالِدٌ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَخَبَرٌ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَطْعَمَك أَخُوك الْمُسْلِمُ طَعَامًا فَكُلْ وَإِذَا سَقَاك شَرَابًا فَاشْرَبْ فَإِنْ رَابَك فَأَسْجُجْهُ بِالْمَاءِ، وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ عَنْهُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ نَبِيذِ الْمُسْكِرِ لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ. وَلاَ إبَاحَةُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ الْمَأْكَلِ كَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ إبَاحَةُ الْخَمْرِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنْ لاَ تُفَتِّشَ عَلَى أَخِيك الْمُسْلِمِ وَأَنْ يُسَجَّ النَّبِيذُ إذَا خِيفَ أَنْ يُسْكِرَ بِالْمَاءِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا إذَا كَانَ الْمَاءُ يُحِيلُهُ عَنْ الشِّدَّةِ إلَى إبْطَالِهَا وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تَحْرِيمُ الْمُسْكِرِ جُمْلَةً. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ إلَى حَمَّامٍ لَهُ بِالْعَاقُولِ فَأَكَلُوا مَعَهُ ثُمَّ أُوتُوا بِعَسَلٍ وَطِلاَءٍ فَقَالَ: اشْرَبُوا الْعَسَلَ أَنْتُمْ: وَشَرِبَ هُوَ الطِّلاَءَ، وَقَالَ: إنَّهُ يَسْتَنْكِرُ مِنْكُمْ، وَلاَ يَسْتَنْكِرُ مِنِّي قَالَ: وَكَانَتْ رَائِحَتُهُ تُوجَدُ مِنْ هُنَالِكَ، وَأَشَارَ إلَى أَقْصَى الْحَلْقَةِ عُثْمَانُ بْنُ قَيْسٍ مَجْهُولٌ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " إنَّ الْقَوْمَ يَجْلِسُونَ عَلَى الشَّرَابِ، وَهُوَ لَهُمْ حَلاَلٌ فَمَا يَقُومُونَ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ شِمَاسِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ شِمَاسٌ وَلَبِيدً مَجْهُولاَنِ، وَرَجُلٌ أَجْهَلُ وَأَجْهَلُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَيُقَالُ لَهُمْ: مَا مَعْنَاهُ إِلاَّ أَنَّهُمْ يَقْعُدُونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَغْلِيَ، وَهُوَ حَلاَلٌ فَلاَ يَقُومُونَ حَتَّى يَأْخُذَ فِي الْغَلَيَانِ فَيَحْرُمَ فَهَذِهِ دَعْوَى كَدَعْوَى بَلْ هَذِهِ أَصَحُّ مِنْ دَعْوَاهُمْ لأََنَّ قَوْلَهُمْ: إنَّ الشَّرَابَ لاَ يَحْرُمُ أَصْلاً، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْمُسْكِرُ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إِلاَّ أَنَّ الشَّرَابَ نَفْسَهُ يَحْرُمُ فَصَحَّ تَأْوِيلُنَا وَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمْ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَيَسْقِينَا نَبِيذًا شَدِيدًا وَهَذَا لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَخَبَرٌ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: أَكَلْت مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَأُتِينَا بِنَبِيذٍ شَدِيدٍ نَبَذَتْهُ سِيرِينَ فِي جَرَّةٍ خَضْرَاءَ فَشَرِبُوا مِنْهُ سِيرِينَ هِيَ أُمُّ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَوْرَدُوا لِقَوْلِهِمْ وِفَاقٌ إِلاَّ هَذَا الْخَبَرُ وَحْدَهُ إِلاَّ أَنَّهُ يُسْقِطُ تَعَلُّقَهُمْ بِهِ بِثَلاَثَةِ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ تَحْرِيمُ كُلِّ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِمَّا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا فَإِذَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَهَذَا تَنَازُعٌ يَجِبُ بِهِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الرَّدِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ نَبِيذًا شَدِيدًا أَيْ خَاثِرًا لَفِيفًا حُلْوًا فَهَذَا مُمْكِنٌ أَيْضًا. وَخَبَرٌ: عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ مَضَى إلَى أَنَسٍ فَأَبْصَرَ عِنْدَهُ طِلاَءً شَدِيدًا وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لأََنَّهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ عَنْ أَخِيهِ عِيسَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " شَدِيدًا " أَيْ خَاثِرًا لَفِيفًا، وَهَذِهِ صِفَةُ الرُّبِّ الْمَطْبُوخِ الَّذِي لاَ يُسْكِرُ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَبَاحَ الْمُسْكِرَ، مَا لَمْ يُسْكَرْ مِنْهُ، وَلاَ يَصِحُّ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ أَصْلاً، لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سِمَاكٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ كَمَا قلنا عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، وَلاَ يُعْرَفُ مَنْ هُوَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اشْرَبْ فَإِذَا رَهِبْت أَنْ تَسْكَرَ فَدَعْهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ ظَاهِرُهُ اشْرَبْ الشَّرَابَ مَا لَمْ يُسْكِرْ فَإِذَا رَهِبْت أَنْ تَشْرَبَهُ فَتَسْكَرَ مِنْهُ فَدَعْهُ هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيذِ فَقَالَ: اشْرَبْ فَإِذَا رَهِبْت أَنْ تَسْكَرَ فَدَعْهُ. وَخَبَرٌ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ نَبِيذٍ فِي سِقَاءٍ لَوْ نَكَهْته لاَُخِذَ مِنِّي فَقَالَ: إنَّمَا الْبَغْيُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْبَغْيَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَبِّهِ الْمَاءَ عَلَى النَّبِيذِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَافِعٍ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ إبَاحَةٌ لِشُرْبِ الْمُسْكِرِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُنْبَذُ لَهُ فِي جُرٍّ وَيُجْعَلُ لَهُ فِيهِ عَكَرٌ وَهَذَا بَاطِلٌ، لأََنَّ النَّضْرَ مَجْهُولٌ، ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي فَرْوَةَ أَنَّهُ شَرِبَ مَعَهُ نَبِيذَ جُرٍّ فِيهِ دُرْدِيٌّ. وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ مِثْلُهُ وَعَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ كَانَ يُجْعَلُ فِي نَبِيذِهِ عَكَرٌ، وَقَدْ خَالَفَ هَؤُلاَءِ: ابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَصَحَّ عَنْ هَؤُلاَءِ الْمَنْعُ مِنْ الْعَكَرِ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ هُوَ: خَمْرٌ. وَأَخْبَارٌ صِحَاحٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: مِنْهَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَقَدْ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ. وَآخَرُ: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَقِيلٍ عَنْ مَعْقِلٍ أَنَّ هَمَّامَ بْنَ مُنَبِّهٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: أَمَّا الْخَمْرُ فَحَرَامٌ لاَ سَبِيلَ إلَيْهَا، وَأَمَّا مَا سِوَاهَا مِنْ الأَشْرِبَةِ فَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَرِبَ أَخِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَشَرِبَ مَعَهُ أَبُو سِرْوَعَةَ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بِمِصْرَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ فَسَكِرَا فَلَمَّا أَصْبَحَا انْطَلَقَا إلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَمِيرِ مِصْرَ فَقَالاَ لَهُ: طَهِّرْنَا فَإِنَّا قَدْ سَكِرْنَا مِنْ شَرَابٍ شَرِبْنَاهُ، فَجَلَدَهُمَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، قَالُوا: فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَمْرِ وَبَيْنَ سَائِرِ الأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ فَلَمْ يَجْعَلْهَا خَمْرًا، وَهَذَا أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُ صُحْبَةٌ وَأَبُو سِرْوَعَةَ وَلَهُ صُحْبَةٌ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَأَوْا الْحَدَّ فِي السُّكْرِ مِنْ شَرَابٍ شَرِبَاهُ، وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ. فَفَرَّقُوا كُلُّهُمْ بَيْنَ الْخَمْرِ وَبَيْنَ سَائِرِ الأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ فَلَمْ يَرَوْهَا خَمْرًا، وَرَامُوا بِهَذَا أَنْ يُثْبِتُوا أَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ إِلاَّ مِنْ الْعِنَبِ فَقَطْ قال أبو محمد: وَكُلُّ هَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ، لأََنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ أَثْبَتَا أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ وَلَيْسَ فِي خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي سِرْوَعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِهِ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا شَرِبَا عَصِيرَ عِنَبٍ ظَنًّا أَنَّهُ لاَ يُسْكِرُ فَسَكِرَا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَدْفَعُ هَذَا، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا: إنَّ الْخَمْرَ هِيَ عَصِيرُ الْعِنَبِ فَقَطْ وَمَا سِوَاهَا فَلَيْسَ خَمْرًا فَهَذَا مَكَانٌ لاَ مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِيهِ لَوْ صَحَّ لَهُمْ إذَا ثَبَتَ تَحْرِيمُ كُلِّ مُسْكِرٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَفِي هَذَا نَازَعْنَاهُمْ لاَ فِي التَّسْمِيَةِ فَقَطْ، فَإِذْ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ هَذَا فَقَطْ فَنَحْنُ نُوجِدُهُمْ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، نَعَمْ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَفْسِهِ بِأَصَحَّ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ أَنَّ الْخَمْرَ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ أَيْضًا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَإِنَّ بِالْمَدِينَةِ خَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ كُلَّهَا يَدْعُونَهَا الْخَمْرَ مَا فِيهَا خَمْرُ الْعِنَبِ ; فَهَذَا بَيَانُ خَبَرِهِمْ بِمَا يُبْطِلُ تَعَلُّقَهُمْ بِهِ، فَإِذَا أَوْجَدْنَاهُمْ هَذَا فَقَدْ صَحَّ التَّنَازُعُ، وَوَجَبَ الرَّدُّ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا إنْ كُنَّا مُؤْمِنِينَ. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ تَحْرِيمُ السُّكْرِ وَعَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ وَإِبَاحَةُ كُلِّ مَا أَسْكَرَ مِنْ الأَنْبِذَةِ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: رَأَيْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يَشْرَبُ نَبِيذَ الْجُرِّ بَعْدَ أَنْ يَسْكُنَ غَلَيَانُهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ الطِّلاَءَ الشَّدِيدَ وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهُ لَفِيفٌ جِدًّا فَلَوْ كَانَتْ حَرَامًا مَا خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ سَلَفَ قال أبو محمد: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ ; لأََنَّهُمْ يَقُولُونَ بِوَضْعِ الأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي الصَّلاَةِ، وَقَدْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَبَدًا. وَيَقُولُونَ: بِأَنْ يَتَيَمَّمَ الْجُنُبُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، وَقَدْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَدْ خَفِيَ عَلَى الأَنْصَارِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى ذُكِّرُوا بِهِ وَالأَمْرُ هُنَا يَتَّسِعُ، وَلَيْسَ كُلُّ صَاحِبٍ يُحِيطُ بِجَمِيعِ السُّنَنِ. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَلاَ يَكْفُرُ مَنْ لَمْ يُحَرِّمْ مَا سِوَاهَا مِنْ الأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ شَيْءَ لأََنَّهُ لَوْ وَجَدْنَا إنْسَانًا غَابَ عَنْهُ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَلَمْ يَبْلُغْهُ لَمَا كَفَّرْنَاهُ فِي إحْلاَلِهَا حَتَّى يَبْلُغَ إلَيْهِ الأَمْرُ، فَحِينَئِذٍ إنْ أَصَرَّ عَلَى اسْتِحْلاَلِ مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرَ، لاَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مُسْتَحِلُّ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ وَكُلَّ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمُهُ لاَ يَكْفُرُ مِنْ جَهْلِ ذَلِكَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِهِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَصَحَّ لَدَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ ذَلِكَ فَأَصَرَّ عَلَى اسْتِحْلاَلِ مُخَالَفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَلاَ بُدَّ، وَلاَ يَكْفُرُ جَاهِلٌ أَبَدًا حَتَّى يَبْلُغَهُ الْحُكْمُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا بَلَغَهُ وَثَبَتَ عِنْدَهُ فَحِينَئِذٍ يَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَ مُخَالَفَتَهُ عليه السلام، وَيَفْسُقُ إنْ عَمِلَ بِخِلاَفِهِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِجَوَازِ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قال أبو محمد: فَسَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبَ بِهِ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٌ مِمَّا أَوْرَدُوا كُلَّهُ أَوَّلُهُ عَنْ آخِرِهِ، وَلاَ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِهِمْ: أَنَّ الْخَمْرَ الْمُحَرَّمَةَ لَيْسَتْ إِلاَّ عَصِيرَ الْعِنَبِ فَقَطْ دُونَ نَقِيعِ الزَّبِيبِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَلاَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْخَمْرَ الْمُحَرَّمَةَ لَيْسَتْ إِلاَّ نَقِيعَ الزَّبِيبِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ، وَعَصِيرَ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ. فَصَحَّ أَنَّهُمَا قَوْلاَنِ فَاسِدَانِ مُبْتَدَعَانِ خَارِجَانِ عَنْ كُلِّ أَثَرٍ ثَبَتَ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: هُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الَّذِي يَنْصُرُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مُقَلِّدِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّفْسِيرَ لاَ يُحْفَظُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ آرَائِهِمْ الْخَبِيثَةِ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كَلاَمِهِ فِي الْعِتْقِ الَّذِي بَيْنَ كَلاَمِهِ فِي الْكَرَاهَةِ وَكَلاَمِهِ فِي الرَّهْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: الْخَمْرُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا حَرَامٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَالسُّكْرُ عِنْدَنَا حَرَامٌ مَكْرُوهٌ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ عِنْدَنَا إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى عِنْدَنَا حَرَامٌ مَكْرُوهٌ وَالطِّلاَءُ مَا زَادَ عَلَى مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الأَشْرِبَةِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ وَكَانَ يَكْرَهُ دُرْدِيَّ الْخَمْرِ أَنْ يُشْرَبَ وَأَنْ تَمْتَشِطَ بِهِ الْمَرْأَةُ، وَلاَ يُحَدُّ مَنْ شَرِبَهُ إِلاَّ أَنْ يَسْكَرَ فَإِنْ سَكِرَ حُدَّ. هَذَا نَصُّ كَلاَمِهِمْ هُنَالِكَ، وَدُرْدِيُّ الْخَمْرِ هُوَ الْعَكَرُ الَّذِي يُعْقَدُ مِنْهَا فِي قَاعِ الدَّنِّ. وَهُوَ خَمْرٌ بِلاَ شَكٍّ، فَاعْجَبُوا لِهَذَا الْهَوَسِ وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَإِنَّمَا هِيَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الأَنْبِذَةُ كُلُّهَا حَلاَلٌ إِلاَّ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الْخَمْرُ، وَالْمَطْبُوخُ إذَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، وَنَقِيعُ التَّمْرِ فَإِنَّهُ السَّكَرُ، وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ. وَلاَ خِلاَفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ نَقِيعَ الدُّوشَاتِ عِنْدَهُ حَلاَلٌ وَإِنْ أَسْكَرَ، وَكَذَلِكَ نَقِيعُ الرُّبِّ وَإِنْ أَسْكَرَ: وَالدُّوشَاتُ مِنْ التَّمْرِ، وَالرُّبُّ مِنْ الْعِنَبِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلُّ شَرَابٍ مِنْ الأَنْبِذَةِ يَزْدَادُ جَوْدَةً عَلَى التَّرْكِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَإِلَّا أُجِيزَ بَيْعُهُ وَوَقْتُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ كَانَ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ فَلاَ بَأْسَ، بِهِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. هَذَا كَلاَمُهُمْ فِي الأَصْلِ الْكَبِيرِ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ;. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ مِمَّا عَدَا الْخَمْرَ أَكْرَهُهُ، وَلاَ أُحَرِّمُهُ. فَإِنْ صَلَّى إنْسَان وَفِي ثَوْبِهِ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَأَعَادَهَا أَبَدًا فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ السَّخَافَاتِ لَئِنْ كَانَ تُعَادُ مِنْهُ الصَّلاَةُ أَبَدًا فَهُوَ نَجِسٌ، فَكَيْفَ يُبِيحُ شُرْبَ النَّجِسِ وَلَئِنْ كَانَ حَلاَلاً فَلِمَ تُعَادُ الصَّلاَةُ مِنْ الْحَلاَلِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. قال أبو محمد: فَأَوَّلُ فَسَادِ هَذِهِ الأَقْوَالِ أَنَّهَا كُلُّهَا أَقْوَالٌ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ يُوَافِقُهَا، وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ، وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَلاَ صَحِيحٍ، وَلاَ غَيْرِ صَحِيحٍ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلاَ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي تَحْدِيدِهِ عَشَرَةَ الأَيَّامِ فَيَا لِعَظِيمِ مُصِيبَةِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فِي أَنْفُسِهِمْ إذْ يُشَرِّعُونَ الشَّرَائِعَ فِي الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ مِنْ ذَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ ثُمَّ بِأَسْخَفِ قَوْلٍ وَأَبْعَدِهِ عَنْ الْمَعْقُولِ قَالَ عَلِيٌّ: وَبَقِيَ مِمَّا مَوَّهَ بِهِ مُقَلِّدُو أَبِي حَنِيفَةَ أَشْيَاءَ نُورِدُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَذْكُرُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَسَادَهَا، ثُمَّ نُعَقِّبُ بِالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رضي الله عنهم. قَالَ عَلِيٌّ: قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا}. فَاقْتَضَى هَذَا إبَاحَةَ كُلِّ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ فَلاَ يَحْرُمُ بَعْدَ هَذَا إِلاَّ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ أَوْ جَاءَ مِنْ مَجِيءِ التَّوَاتُرِ، لأََنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ. قال أبو محمد: مِنْ هُنَا بَدَءُوا بِالتَّنَاقُضِ وَمَا خَالَفْنَاهُمْ قَطُّ لاَ نَحْنُ، وَلاَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ الْخَمْرَ، وَلاَ الْخِنْزِيرَ، وَلاَ الْمَيْتَةَ حَتَّى نَزَلَ تَحْرِيمُ كُلِّ ذَلِكَ، فَلَمَّا نَزَلَ التَّحْرِيمُ حَرَّمَ مَا نَزَلَ تَحْرِيمُهُ وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ حَرَّمَ نَبِيذَ ثَمَرِ النَّخِيلِ بِخَبَرٍ مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ غَيْرِ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، وَلاَ مَنْقُولٍ نَقْلَ التَّوَاتُرِ. ثُمَّ قَالُوا: صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ فَالْخَمْرُ لاَ تَكُونُ إِلاَّ مِنْهُمَا هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ قَاطِعَةٌ. وَهَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا تَرْجِعُ إلَى الأَوْزَاعِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالاَ جَمِيعًا:، حَدَّثَنَا أَبُو كَثِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ. أَبُو كَثِيرٍ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَافْتَرَقُوا فِي خِلاَفِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: فأما الطَّحَاوِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ ذِكْرُهُ عليه السلام النَّخْلَةَ مَعَ الْعِنَبَةِ بِمُوجِبٍ أَنْ يَكُونَ الْخَمْرُ مِنْ النَّخْلَةِ بَلْ الْخَمْرُ مِنْ الْعِنَبَةِ فَقَطْ قَالَ: وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قال أبو محمد: صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ الطَّحَاوِيُّ، وَكَذَبَ مَنْ أَخْبَرَهُ بِمَا ذُكِرَ بَلْ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ خَارِجَانِ مِنْ الْبَحْرَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيْنَهُمَا الْبَرْزَخُ فَلاَ يَبْغِيَانِ، وَلَقَدْ جَاءَتْ الْجِنَّ رُسُلٌ مِنْهُمْ بِيَقِينٍ، لأََنَّهُمْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ مُتَعَبَّدُونَ مَوْعُودُونَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَقَدْ صَحَّ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاَءِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ فَذَكَرَ مِنْهَا وَأُرْسِلْت إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْعَوْفِيُّ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ الْفَقِيرُ أَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي فَذَكَرَ فِيهَا وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً.وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَحُمَيْدَ كِلَيْهِمَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُعْطِيتُ أَرْبَعًا لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي، أُرْسِلْتُ إلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرِ. فَصَحَّ بِنَقْلِ التَّوَاتُرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ وَحْدَهُ إلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَأَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَبْلَهُ قَطُّ إِلاَّ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً. وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: قال أبو محمد: وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ شَدِيدٌ لأََنَّ الْكَفَّارَاتِ فِي الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: كَفَّارَةُ عِبَادَةٍ بِغَيْرِ ذَنْبٍ أَصْلاً قَالَ تَعَالَى: وَالثَّانِي: كَفَّارَةٌ بِلاَ ذَنْبٍ بَاقٍ لَكِنْ لِذَنْبٍ قَدْ تَقَدَّمَ غُفْرَانُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ كَالْحَدِّ يُقَامُ عَلَى التَّائِبِ مِنْ الزِّنَى. وَالثَّالِثُ: كَفَّارَةٌ لِذَنْبٍ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ صَاحِبُهُ فَتَرْفَعُهُ الْكَفَّارَةُ كَحَدِّ الزَّانِي وَالسَّارِقِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَتُوبَا. وَالرَّابِعُ: كَفَّارَةٌ عَلَى ذَنْبٍ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ صَاحِبُهُ، وَلاَ رَفَعَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلاَ حَطَّتْهُ كَالْعَائِدِ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ عَمْدًا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ قَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام: وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ فَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا عَلَى عُمُومِهِ، وَأَنَّ الْمَلاَئِكَةَ وَالرُّسُلَ، وَالأَنْبِيَاءَ، وَالصَّالِحِينَ، وَالْفُسَّاقَ وَالْكُفَّارَ، وَإِبْلِيسَ، وَفِرْعَوْنَ، وَأَبَا جَهْلٍ، وَأَبَا لَهَبٍ، كُلَّهُمْ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ فِيهِمْ مَا يَشَاءُ مِنْ عُقُوبَةٍ أَوْ عَفْوٍ، إِلاَّ أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ يُعَاقِبُ الْكُفَّارَ، وَلاَ بُدَّ، وَإِبْلِيسَ، وَأَبَا لَهَبٍ، وَأَبَا جَهْلٍ، وَفِرْعَوْنَ، وَلاَ بُدَّ وَيَرْضَى عَنْ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّسُلِ، وَالأَنْبِيَاءِ، وَالصَّالِحِينَ، وَلاَ بُدَّ، وَكُلُّهُمْ فِي الْمَشِيئَةِ، وَلاَ يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، مَنْ عَاقَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ شَاءَ أَنْ يُعَاقِبَهُ، وَمَنْ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ فَقَدْ شَاءَ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. أَمَّا عِلْمُ الْجَاهِلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ شَاءَ أَنْ يُعَذِّبَ الْمَلاَئِكَةَ، وَالرُّسُلَ، وَيُنْعِمَ الْكُفَّارَ لَمَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، لَكِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ. أَمَا سَمِعَ قوله تعالى وَقَوْله تَعَالَى: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَرَأْت عَلَى الْفُضَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ قَالَ: إنَّ الشَّعْبِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إنَّ الْخَمْرَ مِنْ الْعَصِيرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالذُّرَةِ، وَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ: أَبُو حَرِيزٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ قَاضِي سِجِسْتَانَ رَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ الْفَضْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَغَيْرُهُ. فَهَذَا نَصٌّ كَنَصِّهِمْ وَزَائِدٌ عَلَيْهِ مَا لاَ يَحِلُّ تَرْكُهُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ مَا طُبِخَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَبِيذِ ثَمَرِ النَّخْلِ إذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ خَمْرًا وَإِنْ أَسْكَرَ، فَتَحَكَّمُوا فِي الْخَبَرِ الَّذِي أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِهِ تَحَكُّمًا ظَاهِرَ الْفَسَادِ بِلاَ بُرْهَانٍ، وَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ إذْ خَالَفُوا مَا فِيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ آخَرَ، وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ أَوْ مِنْ النَّاسِ سَلَفٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَوَّهُوا فِي إبَاحَةِ مَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَسْكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ بِرِوَايَاتٍ: مِنْهَا: مَا رُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ ثَابِتَةٍ إلَى إبْرَاهِيمَ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَرْزُقُوا النَّاسَ الطِّلاَءَ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ. وَأُخْرَى مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ حَيَّانَ الأَسَدِيِّ أَنَّهُ رَأَى عَمَّارًا قَدْ شَرِبَ مِنْ الْعَصِيرِ مَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَسَقَاهُ مَنْ حَوْلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، كَانَا يَشْرَبَانِ الطِّلاَءَ مَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي مُوسَى مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ كَانَ يَرْزُقُ النَّاسَ طِلاَءً يَقَعُ فِيهِ الذُّبَابُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ. وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِثْلُ هَذَا. وَاحْتَجُّوا فِي هَذَا بِخَبَرٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فِي مُقَاسَمَةِ نُوحٍ عليه السلام إبْلِيسَ الزَّرْجُونَ: لأَِبْلِيسِ الثُّلُثَانِ، وَلِنُوحٍ الثُّلُثُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مِثْلُ هَذَا. قال أبو محمد: لَمْ يُدْرِكْ أَنَسٌ، وَلاَ ابْنُ سِيرِينَ نُوحًا بِلاَ شَكٍّ، وَلاَ نَدْرِي مِمَّنْ سَمِعَاهُ، وَلَوْ سَمِعَهُ أَنَسٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْتَحَلَّ كِتْمَانَ اسْمِهِ فَسَقَطَ الأَحْتِجَاجُ بِهَذَا. وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ مَتَى أُهْرِقَ مِنْ الْعَصِيرِ ثُلُثَاهُ حَلَّ بَاقِيهِ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ ذَهَابِ ثُلُثَيْهِ بِالطَّبْخِ وَبَيْنَ ذَهَابِهِمَا بِالْهَرْقِ وَإِنَّمَا الْمُرَاعَى السُّكْرُ فَقَطْ كَمَا حَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يَحُدُّ الْحُدُودَ فِي الدِّيَانَةِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ أَحَدٌ سِوَاهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ هَذَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ:، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ،، وَوَكِيعٌ، وَيَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، قَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ: عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ: عَنْ أَشْعَثَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبْزَى، وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ طَلْحَةَ بْنِ جَبْرٍ، وَجَرِيرِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ طَلْحَةُ: رَأَيْت أَبَا جُحَيْفَةَ السُّوَائِيَّ، وَقَالَ جَرِيرٌ: عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ ثُمَّ اتَّفَقَ عَنْ الْبَرَاءِ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ أَبْزَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ الطِّلاَءَ عَلَى النِّصْفِ. وبه إلى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، وَوَكِيعٍ، وَعَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنْ دِينَارٍ الأَعْرَجِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلاَءَ عَلَى النِّصْفِ. وَقَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ أَيْضًا: عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ يَحْيَى أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلاَءَ عَلَى النِّصْفِ وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ الطِّلاَءَ عَلَى النِّصْفِ. وَقَالَ الأَعْمَشُ عَنْ الْحَكَمِ: إنَّ شُرَيْحًا كَانَ يَشْرَبُ الطِّلاَءَ عَلَى النِّصْفِ. وَقَالَ الأَعْمَشُ: وَكَانَ إبْرَاهِيمُ يَشْرَبُهُ عَلَى النِّصْفِ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَرَوَى عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ ; فَالْعَجَبُ لِقِلَّةِ حَيَاءِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ مَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ وَالثَّالِثُ: قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ، وَعَلِيًّا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لاََنْ أَشْرَبَ قُمْقُمًا مُحْمًى أَحْرَقَ مَا أَحْرَقَ وَأَبْقَى مَا أَبْقَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَشْرَبَ نَبِيذَ الْجُرِّ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُدْرِكْ قَتَادَةُ عُمَرَ قلنا: وَلاَ أَدْرَكَ مُعَاذًا، وَلاَ أَبَا عُبَيْدَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيعِيَّ قَالَ: إنَّ عَلِيًّا لَمَّا بَلَغَهُ فِي نَبِيذٍ شَرِبَهُ أَنَّهُ نَبِيذُ جُرٍّ تَقَيَّأَهُ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ مُسْكِرًا بَلْ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا كَمَا ذَكَرْنَا فِي خَبَرِ عَلِيٍّ أَنَّ الذُّبَابَ كَانَ يَقَعُ فِيهِ فَلاَ يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهُ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنِّي أُتِيت بِشَرَابٍ قَدْ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ فَذَهَبَ مِنْهُ شَيْطَانُهُ وَرِيحُ جُنُونِهِ وَبَقِيَ طِيبُهُ وَحَلاَلُهُ فَمُرْ الْمُسْلِمِينَ قِبَلَك فَلْيَتَوَسَّعُوا بِهِ فِي شَرَابِهِمْ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي إبْطَالِ تَحْرِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمْرَ، وَالزَّبِيبَ مَخْلُوطَيْنِ فِي النَّبِيذِ بِأَنْ قَالُوا: لَوْ شَرِبَ هَذَا ثُمَّ هَذَا أَكَانَ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ خَلْطِهِمَا قَبْلَ شُرْبِهِمَا وَبَيْنَ خَلْطِهِمَا فِي جَوْفِهِ. فَقُلْنَا: لاَ يَحِلُّ أَنْ يُعَارَضَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ هَذَا، لَكِنْ تُعَارِضُونَ أَنْتُمْ فِي بِدْعَتِكُمْ هَذِهِ الْمُضِلَّةِ بِأَنْ نَقُولَ لَكُمْ: أَرَأَيْتُمْ الْعَصِيرَ إذَا أَسْكَرَ قَبْلَ أَنْ يُطْبَخَ، ثُمَّ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ أَيَحِلُّ عِنْدَكُمْ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لاَ، فَنَقُولُ لَهُمْ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ طَبْخِهِ بَعْدَ أَنْ يُسْكِرَ وَبَيْنَ طَبْخِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْكِرَ، وَالسُّكْرُ حَاصِلٌ فِيهِ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ فَإِذَا أَبْطَلَ الطَّبْخُ تَحْرِيمَهُ إذَا أَسْكَرَ بَعْدَهُ كَذَلِكَ يَبْطُلُ تَحْرِيمُهُ إذَا أَسْكَرَ قَبْلَهُ وَهَذَا أَصَحُّ فِي الْمُعَارَضَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِ عُمَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يُرَاعُوا ثُلُثَيْنِ، وَلاَ ثُلُثًا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ قَالَ: قَدِمْنَا الْجَابِيَةَ مَعَ عُمَرَ فَأُتِينَا بِالطِّلاَءِ وَهُوَ مِثْلُ عَقْدِ الرُّبِّ إنَّمَا يُخَاضُ بِالْمَخُوضِ خَوْضًا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّ فِي هَذَا لَشَرَابًا مَا انْتَهَى إلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قِرَاءَةٌ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا تُحِلُّ النَّارُ شَيْئًا، وَلاَ تُحَرِّمُهُ قَالَ: ثُمَّ فَسَّرَ لِي قَوْلَهُ: لاَ تُحِلُّ النَّارُ شَيْئًا لِقَوْلِهِمْ فِي الطِّلاَءِ، وَلاَ تُحَرِّمُهُ. قال أبو محمد: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ سِوَاهُ وَصَحَّ عَنْ طَاوُوس أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الطِّلاَءِ فَقَالَ: أَرَأَيْت الَّذِي مِثْلَ الْعَسَلِ تَأْكُلُهُ بِالْخُبْزِ وَتَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَتَشْرَبُهُ عَلَيْك بِهِ، وَلاَ تَقْرَبْ مَا دُونَهُ، وَلاَ تَشْتَرِهِ، وَلاَ تَسْقِهِ، وَلاَ تَبِعْهُ، وَلاَ تَسْتَعِنْ بِثَمَنِهِ فَإِنَّمَا رَاعَى عُمَرَ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ مَا لاَ يُسْكِرُ فَأَحَلُّوهُ، وَمَا يُسْكِرُ فَحَرَّمُوهُ. وَقَدْ صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ بِجِبَالِ رَيَّةَ أَعْنَابًا إذَا طُبِخَ عَصِيرُهَا فَنَقَصَ مِنْهُ الرُّبْعُ صَارَ رُبًّا خَائِرًا لاَ يُسْكِرُ بَعْدَهَا كَالْعَسَلِ فَهَذَا حَلاَلٌ بِلاَ شَكٍّ. وَشَاهَدْنَا بِالْجَزَائِرِ أَعْنَابًا رَمْلِيَّةً تُطْبَخُ حَتَّى تَذْهَبَ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِهَا وَهِيَ بَعْدُ خَمْرٌ مُسْكِرَةٌ كَمَا كَانَتْ فَهَذَا حَرَامٌ بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا بِالْبَرَاهِينِ الَّتِي أَوْرَدْنَا وَخَرَجَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِشَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ، وَلاَ بِرِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، لاَ فِي مُسْنَدٍ، وَلاَ فِي مُرْسَلٍ، وَلاَ عَنْ صَاحِبٍ، وَلاَ عَنْ تَابِعٍ، وَلاَ كَانَ لَهُمْ سَلَفٌ مِنْ الْأُمَّةِ يَعْرِفُ أَصْلاً قَبْلَهُمْ فَلْنَأْتِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَرَاهِينِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي ذَلِكَ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلاَهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ هَذَا لَفْظُ سُفْيَانَ وَلَفْظُ مَالِكٍ سُئِلَ عَنْ الْبِتْعِ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِتْعِ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ وَالْبِتْعُ مِنْ الْعَسَلِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ هَذَا الْخَبَرُ فِي صِحَّةِ إسْنَادِهِ وَقَدْ نَصَّ عليه السلام إذْ سُئِلَ عَنْ شَرَابِ الْعَسَلِ أَنَّهُ إذَا أَسْكَرَ حَرَامٌ، وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ هَؤُلاَءِ الْمَحْرُومِينَ إنَّ شَرَابَ الْعَسَلِ الْمُسْكِرِ حَلاَلٌ وَالسُّكْرُ مِنْهُ حَلاَلٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ مِنْ مِثْلِ ضَلاَلِهِمْ.وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَأَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ، قَالَ يَحْيَى: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، كِلاَهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إلَى الْيَمَنِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ شَرَابًا يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ مِنْ الشَّعِيرِ، وَشَرَابًا يُقَالُ لَهُ: الْبِتْعُ مِنْ الْعَسَلِ فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَيْضًا خَالِدٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِيَّاكُمْ وَكُلَّ مُسْكِرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الْمِزْرَ قَالَ: وَمَا الْمِزْرُ قَالَ: حَبَّةٌ تُصْنَعُ بِالْيَمَنِ قَالَ: تُسْكِرُ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَابْنِ عَجْلاَنَ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَرَوَاهُ عَنْ أَيُّوبَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. وَرَوَاهُ عَنْ حَمَّادٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَيُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ. وَرَوَاهُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلاَءِ مَنْ شِئْت. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ هُوَ أَبُو الْخَيْرِ عَنْ دَيْلَمٍ، هُوَ ابْنُ الْهَوْشَعِ الْحِمْيَرِيُّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضٍ بَارِدَةٍ نُعَالِجُ فِيهَا عَمَلاً شَدِيدًا وَإِنَّا نَتَّخِذُ مِنْ هَذَا الْقَمْحِ شَرَابًا نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى أَعْمَالِنَا وَعَلَى بَرْدِ بِلاَدِنَا، فَقَالَ: هَلْ يُسْكِرُ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَاجْتَنِبُوهُ قُلْتُ: فَإِنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا غَيْرُ تَارِكِيهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَتْرُكُوهُ قَاتِلُوهُمْ.وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيِّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، هُوَ ابْنُ ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ سِنَانٍ الْمُزَنِيّ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنْهَاكُمْ عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، هُوَ ابْنُ بِنْتِ مَنِيعٍ الْبَغَوِيّ قَالَ أَبُو دَاوُد:، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ قُتَيْبَةَ، وَسُلَيْمَانُ، وَقَالاَ جَمِيعًا:، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ بَكْرٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذِهِ الآثَارُ الْمُتَظَاهِرَةُ الثَّابِتَةُ الصِّحَاحُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي مُوسَى، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَالدَّيْلَمِ بْنِ الْهَوْشَعِ كُلِّهِمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا لاَ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَلاَ يُقْدَرُ فِيهِ عَلَى حِيلَةٍ، بَلْ بِالنَّصِّ عَلَى تَحْرِيمِ الشَّرَابِ نَفْسِهِ إذَا أَسْكَرَ وَتَحْرِيمِ شَرَابِ الْعَسَلِ، وَشَرَابِ الشَّعِيرِ، وَشَرَابِ الْقَمْحِ إذَا أَسْكَرَ، وَشَرَابِ الذُّرَةِ إذَا أَسْكَرَ، وَتَحْرِيمِ الْقَلِيلِ مِنْ كُلِّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ بِخِلاَفِ مَا يَقُولُ مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَرَمَهُ التَّوْفِيقَ. وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيَ عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ وَهُمْ يُوَثِّقُونَهَا إذَا وَافَقَتْ أَهْوَاءَهُمْ وَجَلَّحَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ الْحَيَاءِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الآثَارِ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ فَقَالَ: إنَّمَا عَنَى الْكَأْسَ الأَخِيرَ الَّذِي يُسْكَرُ مِنْهُ. قال أبو محمد: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلاَ دَلِيلٍ وَافْتِرَاءٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَاطِلِ، وَتَقْوِيلٌ لَهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلاَ أَخْبَرَ بِهِ عَنْ مُرَادِهِ، وَهَذَا يُوجِبُ النَّارَ لِفَاعِلِهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ فِي شَرَابِ الْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالْإِجَّاصِ وَالْكُمَّثْرَى، وَالْقَرَاسْيَا، وَالرُّمَّانِ، وَالدُّخْنِ، وَسَائِرِ الأَشْرِبَةِ، إنَّمَا يَقُولُونَهُ فِي مَطْبُوخِ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْعَصِيرِ فَقَطْ، فَلاَحَ خِلاَفُهُمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَأْوِيلٌ أَحْمَقُ وَتَخْرِيجٌ سَخِيفٌ، قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يُرِيدَهُ، بَلْ قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ ذِي مُسْكَةِ عَقْلٍ عَنْ أَنْ يَقُولَهُ لأََنَّنَا نَسْأَلُهُمْ أَيُّ ذَلِكَ هُوَ الْمُحَرَّمُ عِنْدَكُمْ الْكَأْسُ الآخِرَةُ أَمْ الْجَرْعَةُ الآخِرَةُ، أَمْ آخِرُ نُقْطَةٍ تَلِجُ حَلْقَهُ. فَإِنْ قَالُوا: الْكَأْسُ الآخِرَةُ قلنا لَهُمْ: قَدْ يَكُونُ مِنْ أُوقِيَّةٍ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَرْطَالٍ، وَأَكْثَرَ، فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَقَدْ لاَ يَكُونُ هُنَالِكَ كَأْسٌ، بَلْ يَضَعُ الشَّرِّيبُ فَاهُ فِي الْكُوزِ فَلاَ يُقْلِعُهُ عَنْ فَمِهِ حَتَّى يَسْكَرَ فَظَهَرَ بُطْلاَنُ قَوْلِهِمْ فِي الْكَأْسِ. فَإِنْ قَالُوا: الْجَرْعَةُ الآخِرَةُ قلنا: وَالْجُرَعُ تَتَفَاضَلُ فَتَكُونُ مِنْهَا الصَّغِيرَةُ جِدًّا، وَتَكُونُ مِنْهَا مِلْءُ الْحَلْقِ، فَأَيُّ ذَلِكَ هُوَ الْحَرَامُ، وَأَيُّهُ هُوَ الْحَلاَلُ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ فِي الْجَرْعَةِ أَيْضًا. فَإِنْ قَالُوا: آخِرُ نُقْطَةٍ قلنا: النُّقَطُ تَتَفَاضَلُ فَمِنْهَا كَبِيرٌ، وَمِنْهَا صَغِيرٌ حَتَّى نَرُدَّهُمْ إلَى مِقْدَارِ الصُّوَّابَةِ، وَيَحْصُلُوا فِي نِصَابِ مَنْ يَسْخَرُ بِهِمْ وَيَتَطَايَبُ بِأَخْبَارِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَحُدُّوا فِي ذَلِكَ حَدًّا كَانُوا قَدْ نَسَبُوا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْنَا مِقْدَارًا مَا فَصَّلَهُ عَمَّا أَحَلَّ وَذَلِكَ الْمِقْدَارُ لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ، وَهَذَا تَكْلِيفُ مَا لاَ يُطَاقُ، وَتَحْرِيمُ مَا لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُدْرَى مَا هُوَ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا. فَإِنْ قَالُوا: أَنْتُمْ تُحَرِّمُونَ الْإِكْثَارَ الْمُهْلِكَ أَوْ الْمُؤْذِيَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ فَحُدُّوهُ لَنَا قلنا: نَعَمْ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ وَالرِّيِّ الْمَحْسُوسَيْنِ بِالطَّبِيعَةِ اللَّذَيْنِ يُمَيِّزُهُمَا كُلُّ أَحَدٍ مِنْ نَفْسِهِ حَتَّى الطِّفْلُ الرَّضِيعُ وَالْبَهِيمَةُ، فَإِنَّ كُلَّ ذِي عَقْلٍ إذَا بَلَغَ شِبَعُهُ قَطَعَ إِلاَّ الْقَاصِدُ إلَى أَذَى نَفْسِهِ وَاتِّبَاعِ شَهْوَتِهِ فَكَيْفَ وَالأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَا لاَ تَحْتَمِلُ أَلْبَتَّةَ هَذَا التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ لأََنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ إشَارَةٌ إلَى عَيْنِ الشَّرَابِ قَبْلَ أَنْ يُشْرَبَ لاَ إلَى آخِرِ شَيْءٍ مِنْهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْكَأْسَ الأَخِيرَ الْمُسْكِرَةَ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ هِيَ الَّتِي أَسْكَرَتْ الشَّارِبَ بِالضَّرُورَةِ يُدْرَى هَذَا، بَلْ هِيَ وَكُلُّ مَا شُرِبَ قَبْلَهَا وَقَدْ يَشْرَبُ الْإِنْسَانُ فَلاَ يَسْكَرُ، فَإِنْ خَرَجَ إلَى الرِّيحِ حَدَثَ لَهُ السُّكْرُ، وَكَذَلِكَ إنْ حَرَّكَ رَأْسَهُ حَرَكَةً قَوِيَّةً، فَأَيُّ أَجْزَاءِ شَرَابِهِ هُوَ الْحَرَامُ حِينَئِذٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: وَنَقُولُ لَهُمْ إذَا قُلْتُمْ: إنَّ الْكَأْسَ الأَخِيرَةَ هِيَ الْمُسْكِرَةُ فَأَخْبِرُونَا مَتَى صَارَتْ حَرَامًا مُسْكِرَةً أَقْبَلَ شُرْبِهِ لَهَا، أَمْ بَعْدَ شُرْبِهِ لَهَا، أَمْ فِي حَالِ شُرْبِهِ لَهَا، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ رَابِعٍ. فَإِنْ قَالُوا: بَعْدَ أَنْ شَرِبَهَا قلنا: هَذَا بَاطِلٌ لأََنَّهَا إذَا لَمْ تُحَرَّمْ إِلاَّ بَعْدَ شُرْبِهِ لَهَا فَقَدْ كَانَتْ حَلاَلاً حِينَ شُرْبِهِ لَهَا وَقَبْلَ شُرْبِهِ لَهَا، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ الَّذِي لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ حَلاَلاً شُرْبُهُ، فَإِذَا صَارَ فِي بَطْنِهِ صَارَ حَرَامًا شُرْبُهُ هَذَا كَلاَمٌ أَحْمَقُ وَسُخْفٌ وَهَذْرٌ لاَ يُعْقَلُ. فَإِنْ قَالُوا: بَلْ صَارَتْ حَرَامًا حِينَ شُرْبِهِ لَهَا قلنا: إنَّهَا لاَ حَظَّ لَهَا فِي إسْكَارِهِ إِلاَّ بَعْدَ شُرْبِهِ لَهَا، وَأَمَّا فِي حِينِ شُرْبِهِ لَهَا فَلَيْسَتْ مُسْكِرَةً إِلاَّ بِمَعْنَى أَنَّهَا سَتُسْكِرُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهَا وَهِيَ فِي دَنِّهَا فَلاَ فَرْقَ بَيْنَهَا فِي حِينِ شُرْبِهِ لَهَا وَبَيْنَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلاً. فَإِنْ قَالُوا: بَلْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَهَا قلنا: فَقُولُوا بِتَحْرِيمِ الْإِنَاءِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ، وَبِتَنْجِيسِهِ، وَبِتَحْرِيمِ كُلِّ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الشُّرْبِ، وَبِتَنْجِيسِهِ لأََنَّهُ قَدْ خَالَطَهُ حَرَامٌ نَجِسٌ عِنْدَكُمْ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مَرْيَمَ بِنْتِ طَارِقٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ لِنِسَاءٍ عِنْدَهَا: مَا أَسْكَرَ إحْدَاكُنَّ فَلْتَجْتَنِبْهُ وَإِنْ كَانَ مَاءَ حُبِّهَا مَحَلِّهَا فَإِنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَتْنِي كَرِيَمَةُ بِنْتُ هَمَّامٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ تَقُولُ: نُهِيتُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ، نُهِيتُمْ عَنْ الْحَنْتَمِ، نُهِيتُمْ عَنْ الْمُزَفَّتِ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَتْ: إيَّاكُنَّ وَالْجُرَّ الأَخْضَرَ وَإِنْ أَسْكَرَكُنَّ مَاءُ حُبِّكُنَّ فَلاَ تَشْرَبْنَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي هِلاَلٍ الْجَرْمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ طَلْحَةَ تَقُولُ: سَمِعْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ سُئِلَتْ عَنْ النَّبِيذِ فَقَالَتْ: إيَّاكُمْ وَمَا يُسْكِرُكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ قُدَامَةَ الْعَامِرِيِّ أَنَّ جَسْرَةَ بِنْتَ دَجَاجَةَ الْعَامِرِيَّةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: لاَ أُحِلُّ مُسْكِرًا وَإِنْ كَانَ خُبْزًا وَمَاءً. حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَرْوَانَ الْقَنَازِعِيُّ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَجَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالاَ جَمِيعًا:، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ قَالَ: سَمِعْت الْمُخْتَارَ بْنَ فُلْفُلٍ قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: الْخَمْرُ مِنْ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالذُّرَةِ، فَمَا تَخَمَّرَتْ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الْخَمْرُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ شَهِدْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى جِنَازَةً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: إنِّي وَجَدْت مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ رِيحَ شَرَابٍ وَإِنِّي سَأَلْته عَنْهَا فَزَعَمَ أَنَّهَا الطِّلاَءُ وَإِنِّي سَائِلٌ عَنْ الشَّرَابِ الَّذِي شَرِبَ فَإِنْ كَانَ مُسْكِرًا جَلَدْته قَالَ: فَشَهِدْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْلِدُهُ. فَهَذِهِ أَصَحُّ طَرِيقٍ فِي الدُّنْيَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى الْحَدَّ وَاجِبًا عَلَى مَنْ شَرِبَ شَرَابًا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ لأََنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ سَكِرَ مِمَّا شَرِبَ، لأََنَّهُ سَأَلَهُ فَرَاجَعَهُ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ سُكْرًا وَإِنَّمَا حَدَّهُ عَلَى شُرْبِهِ، مِمَّا يُسْكِرُ فَقَطْ، نَعَمْ، وَمِنْ الطِّلاَءِ الَّذِي يُحِلُّونَهُ كَمَا تَسْمَعُ. حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَرْوَانَ الْقَنَازِعِيُّ،، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيّ، هُوَ ابْنُ بِنْتِ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ هُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ يَوْمَ نَزَلَ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ ". وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاَءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ الأَوْدِيِّ عَنْ زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَوَارِيرِيُّ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَحْدَثَ النَّاسُ أَشْرِبَةً لاَ أَدْرِي مَا هِيَ فَمَا لِي شَرَابٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ قَالَ: عَدَدًا آخَرَ إِلاَّ السَّوِيقُ وَالْمَاءُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ النَّبِيذَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَحْدَثَ النَّاسُ أَشْرِبَةً لاَ أَدْرِي مَا هِيَ وَمَا لِي شَرَابٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً إِلاَّ الْمَاءُ وَالْعَسَلُ وَاللَّبَنُ وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ:، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، وَقَالَ ابْنُ شُعَيْبٍ: أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ كَثِيرٍ وَقُتَيْبَةُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ الْجَرْمِيِّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْبَاذَقِ فَقَالَ: سَبَقَ مُحَمَّدٌ الْبَاذَقُ، مَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَمَعْنَ بْنَ يَزِيدَ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَسُفْيَانُ. وَمِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ:، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا الْحَكَمِ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحَرِّمَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلْيُحَرِّمْ النَّبِيذَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ: اجْتَنِبْ مَا أَسْكَرَ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ. وبه إلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: الْمُسْكِرُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةَ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ الأَشْرِبَةِ فَقَالَ: اجْتَنِبْ كُلَّ شَيْءٍ يَنُشُّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ قَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: آخُذُ التَّمْرَ فَأَجْعَلُهُ فِي فَخَّارٍ وَاجْعَلْهُ فِي التَّنُّورِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: لاَ أَدْرِي مَا تَقُولُ آخُذُ التَّمْرَ فَأَجْعَلُهُ فِي فَخَّارٍ ثُمَّ أَجْعَلُهُ فِي تَنُّورٍ، لاَ تَشْرَبْ الْخَمْرَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَتَّخِذُ أَهْلُ أَرْضِ كَذَا مِنْ كَذَا خَمْرًا يُسَمُّونَهَا كَذَا، وَيَتَّخِذُ أَهْلُ كَذَا مِنْ كَذَا خَمْرًا يُسَمُّونَهَا كَذَا، وَيَتَّخِذُ أَهْلُ أَرْضِ كَذَا مِنْ كَذَا خَمْرًا يُسَمُّونَهَا كَذَا وَذَكَرَ كَلاَمًا حَتَّى عَدَّ خَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ لاَ أَحْفَظُ مِنْهَا إِلاَّ الْعَسَلَ، وَالشَّعِيرَ، وَاللَّبَنَ. قَالَ أَيُّوبُ: فَكُنْت أَهَابُ أَنْ أُحَدِّثَ النَّاسَ بِاللَّبَنِ حَتَّى حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّهُ يُصْنَعُ بِأَرْمِينِيَّةَ مِنْ اللَّبَنِ شَرَابًا لاَ يَلْبَثُ صَاحِبُهُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ لاَ يَرَى لِطَبْخِهِ مَعْنًى. وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: الْخَمْرُ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنْ التَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْعِنَبِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَقَتَادَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ قَالَ أَنَسٌ: إنِّي لأََسْقِيَ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً فَأَمَرُونِي فَكَفَأْتهَا وَكَفَأَ النَّاسُ آنِيَتَهُمْ حَتَّى كَادَتْ السِّكَكُ أَنْ تَمْتَنِعَ قَالَ أَنَسٌ: وَمَا خَمْرُهُمْ إِلاَّ الْبُسْرَ، وَالتَّمْرَ مَخْلُوطَيْنِ. قال أبو محمد: سَمَّى مِنْهُمْ أَنَسٌ فِي أَحَادِيثَ صِحَاحٍ تَرَكْنَا ذِكْرَهَا اخْتِصَارًا أَبَا طَلْحَةَ، وَأَبَا أَيُّوبَ، وَأَبَا دُجَانَةَ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَسُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ، وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ فَهَذَا الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ أَنْ تَكُونَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فَيُهْرِقُ الصِّحَابَةُ رضي الله عنهم كُلَّ شَرَابٍ عِنْدَهُمْ مِنْ تَمْرٍ أَوْ بُسْرٍ. فَصَحَّ أَنَّهُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ خَمْرٌ وَلَمْ يَخُصُّوا نِيئًا مِنْ مَطْبُوخٍ بِخِلاَفِ أَقْوَالِ هَؤُلاَءِ الْمَحْرُومِينَ مِنْ التَّوْفِيقِ ; وَلَوْ عِنْدَهُمْ قَلِيلُهُ لَمَا أَهْرَقُوهُ، لأََنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. قال أبو محمد: وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ هَهُنَا قَوْلاً لاَ نَدْرِي كَيْفَ انْطَلَقَ بِهِ لِسَانُهُ وَهُوَ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا أَهْرَقُوهُ خَوْفَ أَنْ يَزِيدُوا مِنْهُ فَيَسْكَرُوا. قال علي: وهذا هُوَ الْكَذِبُ الْبَحْتُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَخْبَرَهُ بِهَذَا عَنْهُمْ وَهَلْ يَحِلُّ أَنْ يُخْبَرَ عَنْ أَحَدٍ بِالظَّنِّ وَرُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْبَهْرَانِيُّ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَيَشْرَبُهُ إذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى وَالْغَدَ إلَى الْعَصْرِ ; فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَقَاهُ لِخَادِمٍ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ الْبَهْرَانِيِّ ; فَلَوْ كَانَ حَلاَلاً كَمَا يَدَّعِي الطَّحَاوِيُّ أَوْ كَانَ الطَّبْخُ يُحِلُّهُ كَمَا يَزْعُمُ سَائِرُ أَصْحَابِهِ مَا أَهْرَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَأَمَرَهُ بَاعِثُهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقُولَ: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَهُ لَهُ فِي الْبُسْرِ: خَلِّصْهُ مِنْ الرُّطَبِ ثُمَّ انْبِذْهُ ثُمَّ اشْرَبْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَسَفَّهَ. رُوِّينَا قَبْلُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ تَقَيَّأَ نَبِيذًا شَرِبَهُ إذْ عَلِمَ أَنَّهُ نَبِيذُ جُرٍّ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا نَفْسَهُ عَنْ طَاوُوس يَعْنِي تَحْرِيمَ كُلِّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَسْكَرَ. وَعَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ: قَلِيلُ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرَامٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَلاَءِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ سَمِعْت ابْنَ سِيرِينَ يَقُولُ لِبَعْضِ مَنْ خَالَفَهُ فِي النَّبِيذِ: أَنَا أَدْرَكْت أَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنْتَ لَمْ تُدْرِكْهُمْ كَانُوا لاَ يَقُولُونَ فِي النَّبِيذِ كَمَا تَقُولُونَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ شَدَّدَ النَّاسُ فِي النَّبِيذِ وَرَخَّصَ هُوَ فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ السَّرَخْسِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: مَا وَجَدْت الرُّخْصَةَ فِي الْمُسْكِرِ صَحِيحًا عَنْ أَحَدٍ إِلاَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: لاَ خَيْرَ فِي النَّبِيذِ إذَا كَانَ حُلْوًا. قال أبو محمد: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ خِلاَفَ هَذَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ كِلاَهُمَا عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُخَمَّرَ مِنْ النَّبِيذِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ الْمُعَتَّقَ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ وَالْمُعَتَّقَ مِنْ نَبِيذِ الزَّبِيبِ. وَرُوِّينَا عَنْهُ إبَاحَةَ مَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ نِصْفُهُ وَبَقِيَ نِصْفُهُ فَهَذَا إبْرَاهِيمُ قَدْ خَذَلَهُمْ، وَلَقَدْ رَوَى عَمَّنْ بَعْدَهُ التَّرْخِيصَ فِيهِ عَنْ الأَعْمَشِ، وَشَرِيكٍ، وَوَكِيعٍ، وَبَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ وَأَمَّا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فَلاَ. قال أبو محمد: وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ; وَالأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. قال أبو محمد: وَقَدْ رَوَوْا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَذِبَ وَمَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَلاَ يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ وَرُوِّينَا عَنْهُ الصَّحِيحَ الْمُتَوَاتِرَ الَّذِي هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا ;. وَرَوَوْا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَسٍ: الْكَذِبَ، وَمَا لاَ يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ. وَرُوِّينَا عَنْهُمْ الصَّحِيحَ، وَنَصُّ قَوْلِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
|